رضا عزت

PDFطباعةأرسل إلى صديق

لماذا يكره المتشددين الصلبان و يحرقون الكنائس ؟!

إذا كانت ثورة 25 يناير قد قامت على ثلاثة مبادئ أساسية هى الحرية والكرامة والعدالة الإجتماعية، أذن مطالب معتصمي ماسبيرو كانت مطالب مصرية وليست قبطية ، لقد فاض الكيل بأقباط مصر ، كنائس تُحرق وأخري تُهدم ، أبرياء يقتلون بأيدي أشقائهم وشركائهم في الوطن ، تمييز واضح وصريح في حرمان الأقباط من تبوء المناصب القيادية ، وحرمانهم من بناء أو ترميم كنائسهم ، ومواطن قبطي يقام عليه الحد فتُقطع إحدي أذنيه وتُحرق شقته وسيارته  .. الخ . لذا كان من الطبيعي ان يثور الأقباط ، يغضبون ، يصرخون ، يستغيثون ، يطالبون بحقوقهم المهدرة والمغتصبة ، لأنهم شركاء في هذا الوطن مع أشقائهم المسلمون ، لهم نفس الحقوق وعليهم ذات الواحبات  ، ثورتهم واحدة ، اختلطت دمائهم في الحروب المختلفة ، يعيشون معاً في تداخل وتلاحم عجيب منذ 14 قرن مضت ، نسيج واحد أشبه بآلة البيانو ذات الأصابع البيضاء والسوداء أو كما قال الشيخ أحمد حسن الباقورى " المسلم والمسيحي كسواد وبياض العين " ، وكما يقول قداسة البابا " مصر وطناً يعيش فينا وليس وطن نعيش فيه " ، المسلم والمسيحي  يحترم كلاً منهم عقيدة الآخر ، كما يقول أمير الشعراء أحمد شوقي :


نعلي تعاليم المسيح لأجلهم
ويوقرون لأجلنا الإسلام
الدين للديان جل جلاله
لو شاء ربك وحد الأقوام
ان التاريخ يؤكد ان المسلمون والأقباط أخوة وأحباء وشركاء وطن وهذه التركيبة الجغرافية الفريدة لمصر تؤكد استحالة فصلهم عن بعض ، تداخل في كل شيء وتشابه في كل شيء حتي الملامح ، وهذا ما يجعلني أقول ان مطالب الأقباط الذين اعتصموا في ماسبيروا أو المنيا أو الإسكندرية أو في أي مكان ، هي مطالب مصرية متعلقة بالمواطنة والعدالة الاجتماعية ، و كان يجب علي كل المسلمين العارفين بصحيح الدين ان يعتصموا مع الأقباط  حتي تُجاب مطالبهم ، مثلما وقف طلعت السادات معهم ومثلما وقفت الكاتبة فاطمة ناعوت  وغيرهم من المسلمين الشرفاء .
++ لا أعلم كيف يتحدث ويعظ بعض المتشددين باستفاضة عن سماحة الإسلام ، ثم يقومون بحرق الكنائس وهم يكبرون ويقتلون المتعبدين الأبرياء العزل داخلها بلا وازع  أو رحمة أو ضمير او إنسانية ، هل الإسلام يدعوا لحرق الكنائس وهدمها ، كلا وألف كلا !! فيقول القرآن في سورة المائدة 82 " وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ ، و في سورة العنكبوت 46 " وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ "، و في سورة آل عمران (45): "إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى بن مريم وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقربين،  .
++ لو كان المسلمين المتشددين يعرفون شيئاً عن تعاليم السيد المسيح السامية لما هاجموا الكنائس ولا هدموها ولا حرقوها ولا اعترضوا علي بنائها ، يقول السيد المسيح في إنجيل متي 5 : والآيات من 39  : 47  " وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: لاَ تُقَاوِمُوا الشَّرَّ، بَلْ مَنْ لَطَمَكَ عَلَى خَدِّكَ الأَيْمَنِ فَحَوِّلْ لَهُ الآخَرَ أَيْضًا. وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَاصِمَكَ وَيَأْخُذَ ثَوْبَكَ فَاتْرُكْ لَهُ الرِّدَاءَ أَيْضًا. وَمَنْ سَخَّرَكَ مِيلاً وَاحِدًا فَاذْهَبْ مَعَهُ اثْنَيْنِ. مَنْ سَأَلَكَ فَأَعْطِهِ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَقْتَرِضَ مِنْكَ فَلاَ تَرُدَّهُ ... أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ،  لِكَيْ تَكُونُوا أَبْنَاءَ أَبِيكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، فَإِنَّهُ يُشْرِقُ شَمْسَهُ عَلَى الأَشْرَارِ وَالصَّالِحِينَ، وَيُمْطِرُ عَلَى الأَبْرَارِ وَالظَّالِمِينَ. لأَنَّهُ إِنْ أَحْبَبْتُمُ الَّذِينَ يُحِبُّونَكُمْ، فَأَيُّ أَجْرٍ لَكُمْ ؟ " يا لروعة التعاليم ويا لخيبة المتشددين الذين ينساقون وراء الأكاذيب والضلالات دون وعي أو أدراك . فالمسيحية هي ديانة الحب والتسامح والرجاء ولا يوجد نص واحد يدعو إلي الانتقام أو الثأر أو البغيضة أو القتل أو  الاستيلاء علي ما للغير أو كراهية الآخر أو نبذه أو التحقير من شأنه . لا أعرف علي وجه التحديد ، لماذا يستفز شكل الصليب ومبني الكنيسة هؤلاء المتشددين ، ولماذا لا يتسفزهم محلات الخمور وصالات الديسكو وأوكار بيع المخدرات وشقق الدعارة والبنات المنتقبات اللاتي يدخن الشيشة في الفنادق والمقاهي .لماذا يكره الداعية وجدي غنيم  الاقباط  للحد الذي قال فيه في إحدي التسجيلات التي يبثها عبر الإنترنت : لا يمكن أن يسير المسيحي أمام المسلم أو يسبقه .. ويجب علينا نحن كمسلمين أن ندعو إلي دين الحق الإسلام وأن نمنع هؤلاء النصاري من المجاهرة بشعائرهم الدينية الخاطئة أمام المسلمين، وأنا لا أريد أن أسمع أجراس الكنائس مرة أخري أو أن أري صلبان أمامي في مصر، وقال : إن من يسمون أنفسهم النصارنيين أو الصليبين كفرة ونجس وأن هذا توصيفهم الحقيقي ومأواهم النار ولن يفلتوا منها علي حد تعبيره، وأنه يجب علي الكنيسة أن تفرج عن الأخوات المعتقلات مثل وفاء قسطنين وكاميليا شحاته وغيرهما من الأخوات وأقسم أن الكنائس المصرية مليئة بالأسلحة .. لا يوجد شيء إسمه وحدة وطنية ولا يمكن أن يجلس شيخ مع قسيس لحل المشاكل فلابد أن يعرف الصليبين في مصر أنهم أقلية وأن يقبلوا بهذا الوضع ويتعاملوا علي أساسه وأن يعرفوا أن دين مصر هو الإسلام ولن يتغير "عاجبهم كده يقعدوا في مصر .. مش عاجبهم يمشوا.
++أعرف ان هناك بعض الفضائيات القبطية مستفزة كما هو الحال في بعض الفضائيات المسلمة ، لكن علينا كمصريين ان لا ننساق وراء تلك الفضائيات المدمرة وان نتحلي بروح المحبة والوحدة في مواجهة الشائعات المغرضة التي يروجها بعض مثيري الفتنة من الطرفين .وكما تقول الكاتبة الصحفية الجميلة فاطمة ناعوت " لن تكتمل ثورة يناير إلا بردّ حقوق الأقباط ".
++ أنا ومعي غالبية الأقباط نرفض بشدة فكرة الحماية الدولية لأقباط مصر، لكننا نطالب بوجود دولة مدنية قائمة علي العدالة الاجتماعية والمواطنة الحقيقية واثق في ان المسلمون العقلاء والمعتدلين لن يسمحوا لنيران الفتنة ان تأكل جسد هذا الوطن الغالي واثق انه آن الأوان ليستيقظ كل غافل من غفلته قبل ان يشعل الإرهابيين المتسربلين برداء الدين  ، النيران في الوطن ، واثق ان المسلمين المستنيرين والتيارات الوسطية المعتدلة ستتصدي بحزم وقوة للتيارات المتشددة والمتطرفة التي أثارت العديد من الفتن وتعمدت الاعتداء على الأقباط .
++ ان الفتنة الطائفية من الملفات الشائكة والصعبة والمعقدة في ذات الوقت ولا يمكن لأي جهة رسمية أيا كانت قوة تأثيرها في وجدان الناس أن تتعامل بمفردها مع تلك القضية. وكفانا من مشهد القس الذي يعانق الشيخ أمام كاميرات الإعلام فقد عفي الزمن علي تلك المسكنات، ان الفتنة الطائفية في مصر هي ثمار النظام السابق الفاسد الذي كرس كافة جهوده للتميز بين الأخوة ، بداية من الإعلام ومروراً بالتربية والتعليم والخطاب الديني و الظلم الاجتماعي والحرمان من الوظائف العامة .. الخ ، لذلك لم نستطع علي مدي السنوات الطويلة التعامل مع تلك القضية بطريقة صحيحة تذيب حدة التوترات التي تلاحق العلاقات بين المسلمين والمسيحيين من وقت لآخر .
++ مؤخراً صرح  اللواء منصور عيسوى، وزير الداخلية: « إن قانون دور العبادة الموحد سيصدر خلال الأيام القليلة المقبلة، ليضع نهاية لمشاكل تراخيص وبناء الكنائس فى مصر »، مؤكداً أنه بمقتضى هذا القانون سيكون «الحكم المحلى» فى مصر هوالمسؤول عن إصدار تصاريح الهدم والبناء والإصلاح للكنائس والمساجد ...  ولا أعرف كيف يختزل البعض حل المشكلة الطائفية في إصدار قانون دور العبادة  الموحد وكيف يعتبر بعض الأقباط ان ذلك هو طوق النجاة الحقيقي لوأد الفتنة الطائفية، فحتي لو تم ذلك فلن تُحل مشكلة الفتنة ، لأن هذا القانون واقع لا يمكن ان يقبله أي مجتمع إسلامي ، لكن الحل يكمن في تقبل الآخر ، تقبل الأخ لأخيه ، وفهم صحيح الدين وتنقية الخطاب الديني من شوائب الطائفية وإلقاء القبض علي مثيري الفتنة ومعاقبتهم أشد العقاب وتنقية المناهج التعليمية ، وتحييد الإعلام وفصل الدين عن الدولة ، و تطبيق المواطنة بكافة معانيها وصورها.
++ إذا كان المتشددون يتخيلون انه بأفعالهم الإجرامية الخسيسة هذه من الكشح إلي ماسبيرو مروراً بنجع حمادي والإسكندرية والعمرانية والمقطم  وقمادير وأبوقرقاص وإمبابة  ، سوف ينجحون في القضاء علي  الأقباط ومحوا كنائسهم فهم واهمون ، كما ان حديثهم عن وجود أسلحة داخل الكنائس والأديرة محض افتراء هم أول المتأكدين من كذب ما ادعوه ، فالسلاح الوحيد الذي يمتلكه أقباط مصر هو الصلاة وكلمة الله  ، حيث يعلمنا الكتاب المقدس ان الركب الساجدة أقوي من الجيوش الزاحفة ، ولا يخشي الأقباط  بطش هولاء الإرهابيين لأنه لا تسقط شعره واحدة من رؤسنا إلا بسماح من الله ، بل لا نبالي ان قلنا ان الأقباط متشوقين للشهادة لان الكتاب المقدس يقول " مع المسيح ذاك أفضل جداً " .
++ لا أعرف كيف يخسر الأخ أخاه بسبب ساقطة تركت دينها ، ولماذا يخضع كل متحول عن دينه لنظرة اجتماعية قاسية ويواجه كل هذه الصعاب الحياتية الكثيرة . لماذا لا يتم حزف خانة الديانة من الأوراق الرسمية ونُفعل القول الدين لله والوطن للجميع ، أنني استطيع التأكيد ان مصر مليئة بالنماذج الواعية المعتدلة من المسلمين والأقباط ، تلك النماذج عليها ان تبذل قصاري جهدها لحماية مصرنا الغالية من نيران الفتنة الملتهبة ، ولابد ان نعلم انه ليس كل مسلم سلفي وليس كل سلفي إرهابي ، وان كنت لا أعرف ماذا يقصد اللواء حسن الرويني قائد المنطقة المركزية بقوله : كلنا سلفيين .ولكني أتذكر كيف وقف المسلم مع أخيه القبطي في ميدان التحرير وفي اللجان الشعبية التي تصدت بكل قوة للبلطجية وقت الثورة .
++  أنني أتذكر ان أكثر أربعة أشخاص وقفوا إلي جانبي في حياتي المهنية وساعدوني كثيراً كانوا مسلمين وهم الكاتب الصحفي د . أسامة الكرم والكاتب الصحفي صلاح توفيق والكاتب الصحفي هشام أبو المكارم والصديق الراحل المهندس أيمن محمد السيد ، والأخير قام في عام 2003 بتخصيص عدد كامل من جريدته – الأيام العصرية –  للحديث عن السيدة العذراء والعائلة المقدسة وقام بطباعة 10 آلاف نسخة من هذا العدد لتوزيعها في مولد دير جبل الطير بسمالوط ، إيماناً ًمنه أننا شركاء في هذا الوطن .
++ اعرف ان هناك الملايين من نمازج أسامة وصلاح وهشام وأيمن وأعرف انه لو أتيحت الفرصة للبعض سيقص علينا أعزب قصص الوحدة الوطنية ، لكن المهم ليس الحديث عن الماضي المشرف للوحدة الوطنية ولكن المهم هو الحفاظ علي هذه الوحدة في المستقبل . ودعونا نعمل معاً علي بناء مستقبلنا ونردد معاً " مسلم ومسيحي قلب واحد وفكر واحد وشعب واحد ووطن واحد ونسيج واحد ورب واحد " .

Facebook

Twitter

Facebook

YouTube