الرئيسية اسئلة مصيرية أسئلة حول السيد المسيح التفسير الصحيح لآية النساء في قتل المسيح

التفسير الصحيح لآية النساء في قتل المسيح

PDFطباعةأرسل إلى صديق

ان تعارض آية النساء مع سائر القران  بشان آخر المسيح تحملنا على تدبر ظاهرها ، ليضح باطنها، كما أمرنا القران : ( أفلا يتدبرون القران ؟ ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ). النساء 81 قابل 47 : 24؛ 23 : 69 ؛ 38: 29 .

يزول التعارض بين آية النساء وسائر القران ، إذا ما تدبرنا هذه الآية المتشابهة في اسلوبها اللغوي ، والموضوعي ، والبياني ، والكلامي .

الأسلوب اللغوي يقوم على معنى ( شبه لهم ) انهم قتلوه وصلبوه. فالتعبير (شبه لهم ) لا يعني كما رأينا ، ان المسيح ألقي شبهه على غيره  فقتل هذا الغير المشبوه . بل تعني كما قال الزمخشري ، افضل من فسر لغة القران وبيانه : (خيل إليهم ) أي توهموا انهم قتلوه وصلبوه ، فهو ميت لا حي ؛ بل هو حي لان الله رفعه اليه .

الأسلوب الموضوعي : ما هي غاية القران في هذه الآية ؟ بما ان القران قبلها وبعدها يؤكد موت المسيح ثم رفعه حيا إلى السماء ، فليس المقصود نفي القتل والصلب بل الرد على تبجح اليهود به ، وإفحامهم بتأكيد رفعه حيا إلى الله .

قال البيضاوي : ( وانما ضمهم الله تعالى بما دل عليه الكلام من جرأتهم على الله ، وقصدهم قتل نبيه المؤيد بالمعجزات القاهرة ، وتبجحهم به) ‍وما تشابه من قصد القران في آية النساء ، يظهر في آية آل عمران : ( ومكروا (اليهود) ومكر الله ، والله خير الماكرين : اذ قال الله يا عيسى ابن مريم اني متوفيك ورافعك الي ، ومطهرك من الذين كفروا ، وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا الى يوم القيامة ) 54-55.

فقد مكر اليهود لقتل المسيح والقضاء عليه قضاء مبرما ، فكان مكر الله اكبر ، إذ توفاه ثم رفعه اليه .

ومن انسجام آية النساء وآية آل عمران في الموضوع الواحد ، يظهر جليا ان موضوع آية النساء ليس نفي القتل والصلب ، بل الرد على مكرهم بمكر الله الذي اذ رفع المسيح حيا الى السماء بعد قتله وصلبه ، فوت عليهم مكرهم وقتلهم له . فالمسيح حيا خالدا في السماء ، مهما تبجحوا بقتله وصلبه ‍

وسياق التعبير في آية النساء يؤيد ما نذهب اليه : ( وان الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ) : فاليهود أنفسهم مختلفون في القضاء النهائي على المسيح . ( وما لهم به من علم الا اتباع الظن )

فالذين منهم يؤكدون القضاء المبرم على المسيح ان هم الا يظنون أثم . ( وما قتلوه يقينا، بل رفعه الله اليه ) : فبرفع المسيح الى الله ، ما قتلوه يقينا ، ذلك القتل الذي يجعله معدوما ؛ بل هو حي عند الله، فكأنهم ما قتلوه وما صلبوه ، وما تخلصوا منه . انه حي يشهد بفشل مكرهم وقدرة الله وحكمته : (وكان الله عزيزا حكيما) برفع المسيح اليه بعد موته .

الأسلوب البياني على نوعين : أسلوب المقابلة الصحيحة بين أمرين قابل الخصم بينهما خطأ فيصدر حدهما بأداة نفي ، لا لنفي حقيقته ، بل لإظهار فضل الآخر على الأول : فالقران يقابل بين قتل المسيح وصلبه ، وبين رفعه حيا إلى الله  ، فيصدر القتل والصلب بشكل النفي ، لاثبات فضل رفع المسيح على مكرهم بقتله وصلبه . يؤيد ذلك قوله : (وما قتلوه يقينا بل رفعه الله اليه).

وهذا أسلوب سامي ، عبري ، عربي متواتر في القران والكتاب . جاء في التوراة (سفر التكوين 45 : 8 ) في خطاب يوسف لاحوته : ( ليس انتم أرسلتموني إلى ههنا ، بل الله ) . فهل ينكر يوسف ان اخوته قد باعوه إلى تجار عابرين ؟ كلا ، بل يقابل بين قصدهم وعملهم ، وقصد الله وعمله، ليظهر فضل الله على عمل العبد . وفي الأنبياء قول هوشع (6 :6) لا أريد ذبيحة ، بل رحمة), فالله يفرض عليهم الذبيحة ، فكيف لا يريدها ؟  إنما يقابل بين الذبيحة وبين الرحمة ، فتصدر الذبيحة بشكل نفي ، والرحمة بشكل توكد ، لإظهار فضل الرحمة على الذبيحة .

هكذا يقابل القران بين تبجح اليهود بقتل المسيح وصلبه ، وبين إيمانه برفع المسيح حيا إلى السماء ، فيصدر تبجحهم بشكل نفي ، وايمان القران برفع المسيح حيا إلى الله بشكل توكد، لإظهار فضل الله برفع المسيح على مكر اليهود بقتله وصلبه، لا لإنكار قتله وصلبه .

وأسلوب المقابلة هذا يظهر من قوله : ( وما قتلوه يقينا بل رفعه الله اليه) .

وهناك أسلوب آخر لاثبات معرض النفي ، كالمدح في معرض القدح ، حيث ظاهر الكلام يكون  قدحا ، وباطنه مدحا ، او ظاهره نفيا ، وباطنه إثباتا . وبما ان القران قبل آية النساء وبعدها يؤمن بموت المسيح ورفعه حيا الى السماء ، ففي رده على تبجح اليهود بقتل المسيح وصلبه ، يرد القران عليهم بأسلوب النفي والإثبات ، فيظهر نفي ما يقولون ليعلن فضل ايمانه برفع المسيح حيا إلى السماء ؛ فيكون ظاهر الكلام نفيا ، وباطنه إثباتا: ( وما قتلوه يقينا بل رفعه الله اليه ) ؛ فما قتلتم للمسيح قتلا ، بل استشهادا لان الله رفعه اليه .

فالقران في آية النساء ، انسجاما مع القران كله ، يثبت الموت بالقتل والصلب ، في معرض النفي .

وهذا الأسلوب البياني يسمى ايضا : ( نفي الشيء لإيجابه) .



الأسلوب الكلامي يفضح التعارض الذي يخلقه ظاهر آية النساء بين آي القران ، وبين القران والإنجيل ، وبين آية النساء والتاريخ العام .

آية واحدة من آي القران الست يظهر انها تنفي ما يثبته آي القران كله عن اخرة المسيح ،من انه مات ورفع حيا إلى السماء . فمن الخطاء تفسير آي القران كله الصريح في موت المسيح ورفعهحيا ، بآية متشابهة ؛ ومن الخطاء تفسر الكل بالجزء ‍  فالمنطق يقضي تفسير الجزء بالكل ، وتفسير متشابه القران بمحكمه . وتفسير القوم آي القران في موت المسيح ورفعه على ضوء ظاهر آية النساء يخلق تفاسيرهم المتعارضة التي يظهر تهافتها على ضوء الواقع القرآني .

وهذا الواقع أقراني يشهد بتعارض ظاهر آية النساء مع سائر آي القران في موت المسيح . فالأحرى  التدقيق بباطن اية النساء على ضوء قرائنها وقرائن سائر الآيات لاتقاء التناقض في تفسير القران .وهذا ما فعلناه استنادا الى الواقع القرآني كله .

ان الإنجيل بأحرفه الأربعة مبني على قتل المسيح وصلبه ، وموته ورفعه إلى السماء : أفنخلق تعارضا بين الإنجيل والقران ، والمسيحية والإسلام ، بتفسير مغرض لآية متشابهة يوضح معناها سائر آي القران ؟ وبما ان القران ينقل ذكر وفاة المسيح ورفعه ، عن ( الذكر الحكيم )

في الإنجيل ( آل عمران 58) ويقول : ( هذا ذكر من معي وذكر من قبلي ) الأنبياء 21 ؛ ويحيلنا مرارا إلى أهل الذكر للتثبت من صحة الذكر في القران : ( واسألوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون بالبينات والزبر ) النحل 53 قابل الأنبياء 7؛ فمن التجني  على القران خلق التعارض بينه وبين الإنجيل ، وهو منه براء : ( قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب ) الرعد 45 . وعلم الكتاب يؤكد قتل المسيح وصلبه، فموته ورفعه ، والقران تصديق له وتفصيل.

وان التاريخ العام الذي تمثله الوثنية الرومانية ، واليهودية المجرمة في قتل المسيح ، والمسيحية المؤمنة بقتله ، مدة ستمائة سنة ونيف قبل القران والإسلام ، لا يطعن في تواتر شهادتها بالإجماع قول آية متشابهة  في ظاهرها . يقول الرازي : (فلو أنكرنا ذلك ، كان طعنا فيما ثبت  بالتواتر ، والطعن في التواتر يوجب الطعن في نبوة محمد وعيسى وسائر الأنبياء ).

وهذا خبر لا يصح فيه نسخ ؛ وخبر متواتر في التاريخ العام لا تنقضه آية متشابهة وتفسير لها مشبوه .

لهذا كله نرى ان التفسير الصحيح لتعاليم القران في آخرة المسيح  هو ما يقيم الانسجام بين آي القران ، وبين الإنجيل ، وبين التاريخ العام والقران .

أضف تعليق

لا يسمح بالكلمات التى يتطاول فيها صاحب التعليق على فكر او معتقد او شخص بعينه.. كما لا يسمح بنشر التعليقات التى تتضمن الفاظ تتنافى مع الاخلاق و الاداب العامة


كود امني
تحديث

Facebook

Twitter

Facebook

YouTube